هدى الميداني

Published On: يوليو 4th, 2023

بالرغم من اجتيازي مرحلة التأهل لبدء بحثي في مرحلة الدكتوراه في العلوم السياسية، إلا أنني مازلت أتلمس طريقي وأحاول فهم كيف أقرأ وكيف أدرس وكيف أتعلم، لأني أعتبر أن هذا هو الأساس في بناء باحث وعالم من الطراز الرفيع.

ربما ستجدون ما ستقرؤن هنا بديهياً وهذا أمر يسعدني، لأنه يدل على أننا على اتفاق أو بعض الاتفاق، ولكن إذا وجدتم تطبيق ما كتبته هنا مستحيلاً تمهلوا هذه ليست سوى خاطرة، إنها فقط لتكثيف القدرة على التفكير النقدي أثناء القراءة ومحاولة إعادة التفكير في عملية التعلم وفهم المفاهيم وإعادة استخدامها في التفكير والكتابة.

إذا افترضنا أنه يمكننا القول أن العلم يأتي في وحدات مركبة من وحدات أصغر وأصغر، وأن ما نقرؤه في الكتب وفي الأوراق البحثية ومقالات الرأي وحتى المنتديات العلمية هو ليس العلم بحد ذاته، بل هو نتاج عمل المتعلمين والعلماء. وكما قيل قديماً “العلم في الصدور لا في السطور”.

يبقى أن نسأل كيف يمكن أن نستخلص العلم من نتاج العلماء، كيف نبني منظومتنا العلمية الخاصة والتي تتغذى من نتاج العلماء وأصحاب الرأي؟

سأشير هنا إلى أربع مسائل، وقد استخلصتها من الخبرة الشخصية، ومما قرأت وتعلمت، ولست مختصة في هذا المجال، حيث يمكن أن نعتبر أن هذه المسائل تقع فيما يدعى فلسفة العلوم أو علم التعلم، ولكن، مع ذلك، أدعوكم إلى قراءة المقالة، والتفكير في هذه المسائل الهامة.

أولاً: الاتصال والانفصال:

أزعم أن هناك أمران أساسيان يجب أن يكون المتعلم واعياً لهما، سأدعو الأول “الاتصال” والآخر “الانفصال”.

أما الاتصال، فأقصد به اتصال العلم ببعضه بعضاً في الفضاء العلمي الذي يتكون من مجموع نتاج العلماء، ويتكون في عقل المتعلم من بناء وحدات تتركب بعضها من بعض. أما أصغر الوحدات فهي المفاهيم والمصطلحات، وهي ترتبط بشكل شبكي غني جداً بكل الوحدات الأخرى في النص، وفي كل النصوص وما يتذكر المتعلم مما سمع أو قرأ أو فكر، وخصوصاً تلك المصطلحات نفسها في سياقات أخرى وأشباهها وما يتصل بها، وبالأفكار التي تتصل بها وأساساتها ومنطلقاتها، ومن الوحدات المكونة أيضاً للفضاء العلمي الرموز أو ما يدعى الإشارات وقد تكون في صورة أو في نص أو أي طريقة تواصل بين البشر بخصوص العالم وحقيقته أو عدمها. تلاحظون هنا أنني أعتبر أن المنظومة العلمية الشخصية للمتعلم هي جزء من الفضاء العلمي العام، وتتموضع بحسب رؤيته ووصوله وخبرته الشخصية وقدراته، إلخ.

يمكن اعتبار المنظومة العلمية للمتعلم جزءاً من الفضاء العلمي ومتموضعةً حسب وصول المتعلم الى المعلومات وفهمها، وخبرته ورؤيته وقدراته. وتكون المنظومة العلمية الذاتية أكثر تطابقاً مع الفضاء العلمي كلما كان العلم الذي وصل اليه المتعلم صحيحاً ومفيداً لفهم العالم والتحرك فيه بفعالية. والحقيقة انه لا يمكن للمنظومة العلمية الشخصية للإنسان أن تتطابق مع الفضاء العلمي إلا بجزئيات، لأن المتعلم لابد أن يفكر انطلاقا من وجهة نظر لذلك هو لا يستطيع ان يرى رؤية شمولية، ويحاول ذلك عن طريق استخدام عدد من وجهات النظر للأمر.

يشبه الباحث عادةً بالرسام، فعندما نشاهد منظراً طبيعياً رائعاً ونطلب من الرسام أن يرسم لنا هذا المنظر، تجده يحضر أدواته، أقلامه، ألوانه، ولوحة الرسم الخاصة به، وتراه يتحرى المكان الأفضل، لينظر من خلاله إلى المشهد ويلتقط المنظر، بحيث يكون الأجمل أو الأكثر تعبيراً من وجهة نظره، هذا ما يسمى منظور النتاج الفني أو العلمي، ما يدعى perspective، وتراه يحدد إطار لوحته بحيث يحدد ما سيقع داخل اللوحة من المشهد وما سيقع خارجها، ما يدعونه الإطار، frame، ثم تراه يختار عناصر المشهد التي سيعكسها وما تمثل بالنسبة له، إنها نظرته الخاصة، ما يدعى outlook، ويدخل في تحديدها نظرته للعالم worldview، والمدرسة الفنية التي ينتمي إليها أو معتقداته حول أصول العمل وتعليمه وتفكيره ووصوله، وجنس العمل الفني، أي ماهي مثيلاته، انطباعي، تجردي، تعبيري، إلخ إن هذا المثال الذي ذكرته هنا، قد سمعته من أستاذين من أساتذتي في الفلسفة من تركيا، والعلوم السياسية من إيطاليا، إنه يعبر عن هذه الحالة التي تفصل بين العلم أو المشهد الفني كشيء غير متناه، وبين دور الباحث أو الرسام في التقاط جزء منه والتعبير عنه ومحاولة فك أسراره.

وأما الانفصال، فهو الذي لابد أن يلاحظه المتعلم عند دراسة نتاج العلماء، فعندما نقرأ نتاجاً نصياً علمياً، نلاحظ أن الكاتب يعتمد إيجاد وتحديد بعض عناصر الانفصال، فهو يقدم نتاجه في وحدة متكاملة بحد ذاتها ومنفصلة عن ما كتب ويُعرف في الموضوع، وهو بذلك يلبسها لباساً متميزاً ويضع لها سرديتها الخاصة، يضع لها اسماً، عنواناً، هيكليةً، إلخ ويربط مجموعة من المصطلحات مع بعضها بحيث تولد سياقاً خاصاً، في مكان ماً من هذا الفضاء العلمي، لها ما تشبهه من مثيلاتها من حيث الشكل ومن حيث المضمون، ويتم الحكم عليها ضمن وجودها بينهم.

إن عملية التفكيك والتوصيل للنص والرمز مهمة جداً، تفكيك المعلومة من نتاج الباحث أو العالم، وتوصيلها مع نتاجات أخرى، وفهم التمايز والتماهي، كيف هي متمايزة عند الكاتب، متماهية مع ما ذكر عنها في سياقات أخرى لذات الكاتب في ذات النتاج العلمي أو نتاج آخر له، أو مع غيره من الكتاب وفي اختصاصات أخرى.

ثانياً: الحفظ والتفكير والفهم:

الأمر الآخر الذي أريد التحدث عنه يتعلق بالحفظ إلى جانب الفهم، والذي يستطيع المتعلم من خلاله أن يبني منظومته الخاصة والتي تستوعب جزءاً من الفضاء العلمي. إن العلم بالشيء ليس فقط معرفة الشيء وحفظ ما يتصل به من معلومات وأفكار، ولكن أيضاً فهمه، وهي القدرة على وضع المعلومة أو الفكرة ضمن السياق الشخصي، أي أن يستطيع المتعلم التعبير عنها بلغته، أي كلماته، في سياق جديد. هذه القدرة هي نتاج التفكير، والتفكير، بطبيعة الحال، لا ينتج من لا شيء، بل هو إعادة ربط لمفاهيم سابقة وأفكار بحيث يعيد عقل المتعلم مناقشتها بطريقته.

كيف يحدث الحفظ في عقل المتعلم؟ يبدو لي أن الطريقة الوحيدة هي التكرار، أن تدرس النتاج العلمي أكثر من مرة، في أوقات متباعدة، والتفكير به بطريقة مختلفة أو باعتماد هيكلة مختلفة في كل مرة، ولابد من فرص لاستعادة ما تعلمه المتعلم بحيث يعيد انتاج ما تعلمه بطريقة جديدة وسياق جديد خاص به. يمكننا أن نكتشف أننا حفظنا وفهمنا أمراً ما عندما تخطر في بالنا الأفكار ونحاول إعادة انتاج السياق الذي ذكرت به وكيف أوردها الكاتب وهل نوافقه أم نعارضه أم نبني على ما قاله، ونبني سياقنا الخاص ونجيب على أسئلتنا الخاصة.

في كتاب للدكتور ألب أرسلان أتشيك غينتش، يعيد فيه صوغ نظرية في المعرفة والتعلم، يشبه عملية التعلم بعملية تغذية أنفسنا، وهي ذاتها عند كل البشر، فجميع البشر يتعلمون ويتغذون بذات الطريقة. الفرق هو كيف تتم هذه العملية وما المدخلات وأن عملية التعلم يمكن التدخل في مراحلها ببعض التشذيب ويصعب ذلك في عملية الأكل أو التغذية، حيث التدخل محدود، مثل النصيحة المعتادة “أن نأكل ببطء”، ومع ذلك هناك عناصر كثيرة في عملية التعلم تجري دون وعي المتعلم بها. في هذا المقال أحاول أن ألفت نظركم لمسائل للتأثير على عملية التعلم.

ثالثاً: المعلومة وسياقها:

أمر مهم آخر، يعتقد بعض المتعلمين، أنه يمكن للمعلومة أن تنفصل عن سياقها، قد يحدث ذلك في بعض الحالات في العلوم الطبيعية، لكن ذلك قليل الحدوث في العلوم الاجتماعية والانسانية، فالسياق الذي تم استخلاص المعلومة منه جزء مهم جداً من المعلومة. لا يمكن أن نكون دقيقين في التعلم ما لم نأخذ المفهوم أو الفكرة أو المعلومة مع السياق الذي وردت به ومن ثم تحليله، وفهم لماذا وردت بهذا الشكل.

يمكن عزل المعلومة عن سياقها في العلوم الطبيعية بشكل أكثر، لأن بعض المفاهيم أصبحت مثل واحد بإضافة واحد، حيث لا يهم السياق الذي تعلمت فيه هذه المعلومة، من قالها أول مرة وكيف نقلت عنه، فقد أصبحت “حقيقة”، بحيث وصلت المعلومة العلمية إلى مرحلة “نظرية مؤكدة” بني عليها آلاف التطبيقات مثل نظرية التيار الكهربائي والالكترونات، كباحث يحتاج إلى هذه المعلومة، لست بحاجة لاستذكار تاريخها. ولكن ذلك لا يحدث كثيراً في العلوم الاجتماعية والإنسانية، حيث تكون المفاهيم أكثراً تغيراً وأقل استقراراً وأكثر مرونة.

ومع ذلك فنجد أن بعض المفاهيم قد استقر معناها، عندها يجب حفظها ضمن “موديل” أو نموذج، أي في سياق جزئي، مثل مفهومي الفولت والأمبير، الاستقطاب والتيار، كذلك في العلوم الاجتماعية مثل معضلة السجناء، فالفكرة هنا مكونة من موديل أو هيكل يعاد استخدامه، مثال آخر أحداث التاريخ التي استقر معناها وتراتبها وسرديتها عند أغلب المختصين.

ويجب التأكيد هنا أنه حتى في العلوم الطبيعية وعند الدخول في عمق الأمور والتفاصيل نجد أن ذات المفاهيم المستخدمة، قد نجد خلافاً في جوهرها، قد تختلف طريقة البحث والقياس والوحدة، ونجد أن المعلومة غير مستقرة كما كنا نعتقد.

ولكن الأمر يظهر جلياً أكثر في العلوم الاجتماعية حيث لابد من تمييز المفهوم أو النموذج إن كان المفهوم جزءاً من نموذج، ومن حيث المدرسة الأنطولوجيّة، الأبستمولوجيّة، المثودولوجية (المنهجية)، ايضاًُ القيمية أو الآكسولوجية. فكل الكُتاب يكتبون في سياق هم جزء منه، بشكل مباشر مثل استشعارهم لرأي النقاد، أو غير مباشر بناء على معرفتهم عن طريق الكتب والنقاشات والأفكار التي وصلت لهم، ولذلك لا يمكن أخذ العلم عنهم بمعزل عن سياقهم أولاً والسياق الذي رسموه في نتاجهم العلمي والأسئلة التي يحاولون الإجابة عليها أو الأفكار التي يشرحونها في موقع معين.

وعليه، فبالرغم من أن السياق يساعد ويلعب دوراً أساسياً في استنباط المعلومة، إلا أنه، بالنسبة للبعض، لا بد للمعلومة من أن تنفصل عن السياق، ومن ثم يجب أن تفقد علاقتها بالسياق لتعمّم. ويرون أن هذا ينطبق على العلوم الطبيعية والاجتماعية. وهنا لابد من التركيز على انفصال المعلومة عن سياقها، هذه الانفصال هو فعلياً ما يقوم به المتعلم عند التفكير، والكاتب او المتحدث، عندما يتحدث او يكتب عن أمر ما، ولكنه يخلق سياقاً جديداً، وان شئتم عدداً من السياقات ليتمكن من التعميم. وهنا لابد من الاعتراف أنه سؤال فلسفي فهل يمكن لمعلومة أن تنفصل تماماً عن سياقها؟ هل يمكن لنا نحن البشر تصور العلم بعيداً عن السياق الذي تعلمنا فيه هذا العلم؟ ويصبح سؤالاً وجودياً في العلوم الاجتماعية، هل يوجد العالم الاجتماعي بمعزل عن تصورنا له نحن البشر؟

إن هذا النقاش يعيد للأذهان نظرية أن القرآن الكريم صالح لكل زمان ومكان، وما كان ليكون هكذا لو تم ربط كل آية بمناسبتها أو بسياقها. بالنسبة للمؤمنين، القرآن شيء اخر، مختلف عن كلام البشر، هو جزء من العلم المطلق لله تعالى، وعنده يتطابق الفضاء العلمي مع المنظومة العلمية الذاتية، مع تنزيه لله جل وعلا. ومع ذلك فإن للنص القرآني سياقاً ليفهمه البشر، وهناك من يسيء الفهم وينتزع من السياق ويستنتج أشياء غير صحيحة، مثل “وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ” (19:2 القرآن)، أو لا يفصل السياق وينكر صحة المعلومة في سياقات جديدة، مثل إنكار المحرمات “حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ” (3:5 القرآن). وعليه يمكن القول أن القرآن صالح لكل زمان ومكان، ولكن الاعتقاد انه صالح لكل زمان ومكان مبني على الاعتقاد أنه كلام الله الخالق كلي القدرة والعلم، ويبقى السؤال قائماً ما هي الأحكام الأبدية وتلك المؤقتة؟ وفي ذلك مذاهب وأفكار للعلماء يتجلى فيها علمهم، وكلهم يختمون انتاجهم بالقول “والعلم عند الله”.

رابعاً: استقرار المفاهيم والعلوم:

النظر إلى حالة الاستقرار في العلوم مهم جداً، أي الإطار العلمي النموذجي أو البرادايم الذي يعمل فيه الباحث، أو ما يمكن تسميته المدرسة التي يبني فيها طريقه، ويبدو أن التطور في العلوم الطبيعية يحدث عندما يصل العلماء إلى استقرار المعلومة أو الشيء الذي يتحدثون عنه وطريقة بحثه ومعرفته، ويصلون إلى الاستفادة منه في التطبيقات التي تتكلل بالنجاح، قبل أن يحدث تغيير كامل للبرادايم ويحدث الاختراق ليؤدي وظائف أخرى أوسع، مثل الانتقال من النظرية النيوتونية إلى النظرية النسبية، وللتوسع في هذا الباب يمكن مراجعة آراء كون Khun و لاكتوش Lakatosh وآخرون في فلسفة العلم، هذا فرع هام من الفلسفة ويجري اليوم الاهتمام به أكثر وأكثر.

بينما يتفق معظم العلماء على الطريقة التي تتطور بها العلوم الطبيعية والتي تعني تطبيقات أكثر نجاحاً وتحكماً بالطبيعة تقوم على قدرة أكبر للتوقع بردة فعل النظام الطبيعي على تدخل الإنسان، يبدو أن التطور في العلوم الاجتماعية يحدث كلما أصبحت المفاهيم والأفكار أوضح وأكثر تحديداً، وبدأت تظهر مدارس فكرية، بحيث يعبر العلماء في نتاجهم عن تأييدهم لفكرة معينة أو يقدمون نقدهم أو توسعتهم، وما يبنون عليها، أيضا قبل أن يحدث انزياح البرادايم، وربما يكون الانزياح هنا اجتماعياً وسياسياً بأحداث كبرى، وكثيراً ما نعيش في براديمات متوازية، تلك مكتملة التكوين وأخرى في طور الضعف، أو في طور البزوغ، أو في مرحلة الانتشار الأولي، أو النضج حيث تؤتي بعض الثمار، أو بانتظار ولادات جديدة حيث تواجهها التحديات. ومثال ذلك في مذاهب الفقه الإسلامي، مذهب الإمام أبو حنيفه الذي كان في أوجه في فترة الحكم العباسي الأول، ومثل شرعة حقوق الإنسان التي أقرتها الأمم المتحدة في 1948، والتي تكاد القيم التي ترتكز عليها تصبح عالمية، لما تحمله من قيمة علمية من جهة ولأن المنتصرين في الحرب العالمية الثانية اختاروا مساندتها، ولا تزال تواجه بالتحديات الثقافية، ولكن كثيراً من العلماء يبنون عليها ويعتبرون ركائزها علمية وعادلة مثل المساواة في الكرامة بين البشر جميعاً، في حين يوجه لها آخرون الانتقاد، في مسائل تتعلق بالمساواة بين الجنسين على سبيل المثال، وعدم المساواة بين الناس في الأحوال المعيشية كمثال آخر. ومن واضح القول، أن يكون البرادايم واسع الانتشار وفي طور النضوج لا يعني أنه هو الحق والعلم المطلق.

ومن المفيد الذكر في هذا السياق، أن بعض العلماء يقسمون المعرفة الحقيقية إلى ثلاثة أنواع رئيسية، الأولى، معرفة حقيقية مادية، تكثر أمثلتها في العلوم الطبيعية، والثانية، معرفة حقيقية ذات طبيعة براغماتية، تكثر في العلوم الاجتماعية، تتغير بتغير الأحول الاجتماعية، والثالثة، معرفة حقيقية ذات طبيعة متجاوزة أو ميتافيزيقية وأمثلتها في المعرفة الدينية والفلسفية. وهناك معرفة حقيقية تقع في نوعين معاً مثل بعض المعرفة الاجتماعية والتي اتفق عليها المفكرون منذ فجر التاريخ مثل “العدل أساس الملك” ولكن “العدل” معرفة ميتافيزيقية، “الملك” معرفة اجتماعية، يمكن الوصول إلى كنه هذه الأمور بالتفكير، وإن شئتم القول بالتفكير الفلسفي تغذيه الحقائق الاجتماعية والدينية، هذا ما سمعته من البرفيسور الب ارسلان ووجدته مفيدا لتحليل استقرار وتغير البرادايم في العلوم.

هذه الأبعاد الأربعة التي ذكرتها وهي الاتصال والانفصال في الفضاء العلمي والنتاج العلمي، الحفظ والتفكير والفهم، المعلومة وسياقها وأخيراً تتبع استقرار والاختراق في المفاهيم والعلوم، إن هذه بعض الأمور الأساسية من أجل أن يبني المتعلم منظومته العلمية والتي هي جزء من الفضاء العلمي الذي استطاع اكتسابه من نتاج العلماء ومن التفكير به وحفظه وفهمه وإعادة استخدامه في سياقات جديدة في برادايم ناضج أو برادايمات متوازية، ضمن الأطر الثقافية التي تكون حياتنا.

وأخيرا أود شكر الاستاذ المهندس وضاح شحادة والمهندسة زهار الجندي لتعليقهم على مسودة سابقة من هذا المقال، نشرتها في مبادرة تطوير البحثية.

هدى الميداني
هدى الميداني
تعمل كممارسة وباحثة في إدارة الأعمال والمنظمات الغير ربحية والحوكمة والعمل المدني الشبابي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. هدى حاصلة على ماجستير في الحوكمة وحقوق الانسان من جامعة ليوفانا في ألمانيا وماجستير في إدارة الأعمال من جامعة أوتونوما في اسبانيا والمعهد العالي لإدارة الأعمال في سوريا.

Leave A Comment