هل تريد أن تحدث تغييراً ناجحاً؟ ابحث عن مشكلة وليس عن اكتشاف علمي!

بقلم: غيما ميلان Gemma Milne

الترجمة: رشا حريري

مراجعة الترجمة: هدى ميداني

المقال الأصلي باللغة الانكليزية على موقع مجلة فوربس.

يظهر في الصورة مكان العمل المشترك الذي تقدمه شركة مشاريع العلوم العميقة DSV لكل دفعة.

مقدمة
إن تحويل الاكتشافات العلمية إلى حلول واقعية ليس بالأمر السهل، ولكن على الرغم من التحدي المتمثل في إخراج العلم من المختبر، فقد حدثت طفرة مؤخرًا في المنظمات التي تتخذ نهجًا مختلفًا للقيام بذلك.
إن إخراج العلم من الأوساط الأكاديمية ليس بالأمر الجديد بالطبع. توجد مكاتب نقل التكنولوجيا (TTOs) في معظم الجامعات البحثية؛ هدفهم هو جلب التطورات البحثية إلى السوق وإضافة زيادة مالية إلى صافي أرباح الجامعة. لكن عندما يتم نقل اكتشاف علمي إلى العالم الحقيقي، وحيث يكون هذا الاكتشاف،غالباً، تقنية شديدة التحديد قد تم إنشاؤها في بيئة مدارة بعناية ،فإننا نميل إلى التقصير في نقطة العثور على مشكلة يمكن للعلم حلها بشكل فعال.  عندما لا يكون ابتكارًا واضحًا مثل عقار جديد، على سبيل المثال، فإن مكاتب نقل التكنولوجيا لديها مهمة شاقة في تحديد مالذي يمكن لهذا العلم الجديد أن يفعل، ومن سيكون على استعداد لشرائه.
والآن دعونا ندخل “المصانع العلمية الناشئة” التي تقودها المشكلات، تلك المنظمات التي تبدأ بالقضايا الموجودة في العالم، وتتبع ذلك بالعلم.

أمثلة واعدة

إحداث ثورة في الصناعات
ومن الأمثلة على ذلك شركة مشاريع العلوم العميقة (DSV) ومقرها لندن، وهو معهد علمي يركز على المشاريع، فهم يحددون مشاكل معينة في مجالات مثل مرض الزهايمر ومقاومة مضادات الميكروبات وتخزين الطاقة، ثم يجندون علماء ومهندسين من رواد الأعمال لإنشاء شركات لحلها.
من خلال تمويل رواد الأعمال من خلال برنامج التسريع الخاص بهم، ثم الاستثمار في أكثر الشركات الناشئة الواعدة التي تم إنشاؤها، فقد قاموا بتأسيس شركات تعمل على عمليات الزرع العصبية الحية والمعالجة الحيوية الموفرة للطاقة وحتى تصميم الأجسام المضادة ليوم واحد.
يقول دومينيك فالكاو، مدير مشاريع العلوم العميقة، إن هذا النهج الجديد لا يتعلق باستبدال نقل التكنولوجيا، بل يتعلق بإيجاد حلول في نقطة تلاقي العلوم بدلاً من الابتكارات المستقلة، يقول “إذا كان هدفك منذ البداية هو إنتاج الشركات، فإن التحدي الذي يواجه نقل التكنولوجيا هو أن المنتجات والخدمات الناجحة نادرًا ما تتكون من نتيجة ابتكارية واحدة فقط، لم ينتج عن أي بحث واحد غسالة أو سيارة تسلا مثلا”.
نهج البدء بالمشكلة له أيضًا ميزة إضافية تتمثل في تجاوز المكاسب المتزايدة التي تتحق من خلال الارتقاء بالتكنولوجيا في علم جديد، إلى مجالات يتم فيها إحداث ثورة في الصناعات. يعرف فالكاو أنه عندما يتعلق الأمر بحل المشكلات في العالم الحقيقي، فهناك العديد من الطرق لعمل أمر ما، هناك كثير من الطرق لتشذيب قطة كما يقال في اللغة الانكليزية، “بينما تقوم مكاتب تحويل التكنولوجيا بتقييم ما إذا كانت الشفرة الجديدة التي ابتكرها العلماء يمكنها تشذيب القطط بشكل أسرع، أي أنهم يركزون على طرق لتحسين أداء الأدوات والطرق المعروفة، يسأل DSV عن سبب تشذيب شعور القطط ، إنهم يسألون عن الأسباب والمشاكل الجذرية، ويحاولون معرفة ما إذا كانت هناك طريقة أكثر فاعلية للوصول إلى النتيجة النهائية غير تلك المتاحة والتي يعرفها الجميع”.
الدور التعاوني الجديد للعلماء في حل المشاكل
البدء بالمشكلة ليس فقط هو نهج تلك المنظمات خارج الجامعات. لنأخذ مثالاً تجدي هلسنكي وهو مسابقة علمية ومُسرِّع بين عشر جامعات فنلندية مع مركز أبحاث نورديك ديموس هلسنكي لإيجاد حلول لأهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة.  وفيه تتشكل فرق من العلماء والمهندسين من جميع أنحاء البلاد على مدار العام، للمشاركة في ورش العمل واختبار المستخدمين و عمليات الارشاد والتوجيه جنبًا إلى جنب مع الصناعة والحكومة والمنظمات غير الحكومية، على أمل الفوز بمبلغ 375 ألف يورو لجلب شركاتهم العلمية الناشئة إلى السوق .
يقول ميكائيل سوكيرو، الباحث وقائد المشروع في ديموس هلسنكي، إن نهجهم لا يتعلق فقط بتسويق العلوم، بل يتعلق بإعادة صياغة دور العلماء في الانخراط في الجهود الأوسع لحل المشكلات التي تحدث عالميًا. “تقليديا كان للجامعات والباحثين دور”خارجي” أو “مراقب” لـ “العالم الحقيقي”. واليوم، يُنظر إلى دور العلم في المجتمع بشكل متزايد على أنه قائم على المشاركة، ولا يمكن تحقيق هذا الدور الجديد إلا من خلال التفاعل والتعاون الحقيقيين”.
إن تسخير قيمة الشبكات التي تتشكل حول المشكلات – المكونة من أفراد من مؤسسات عامة وخاصة من جميع الأحجام – شيء تشترك فيه هذه المنظمات الجديدة.
الالتفاف حول مشاكل العالم الحقيقي
مؤسسة الفكر من أجل الغذاء، منظمة غير ربحية تنظم تحدياً سنويا وتقدم جوائز مالية للشركات الناشئة في مجال الأغذية والزراعة، وتعتمد على مجتمعها العالمي الذي يضم 12000 شخصاً لتعزيز الشركات القادمة من خلال برنامجها. لقد جندوا 200 سفير متطوع من 70 دولة مختلفة للبحث عن مبادرات شعبية ورجال أعمال وصانعي سياسات وشركات للالتقاء حول قضية واحدة كبيرة، إنها إطعام 9 مليارات شخص بحلول عام 2050.
تأتي العديد من قصص نجاح مؤسسة الفكر من أجل الغذاء من عالم العلوم – من شركة اجروسفيرس للتكنولوجيا الحيوية ومقرها الولايات المتحدة والتي تعمل في مجال التكنولوجيا النانوية لمبيدات الآفات إلى شركة Biteback الإندونيسية للتكرير الحيوي للحشرات التي ابتكرت بديلاً لزيت النخيل. إن الالتفاف حول مشكلة إطعام الكوكب يعني أنك تجذب أولئك الحريصين على حل المشاكل، وكثير من هؤلاء الناس علماء.
تحدث مدير البرنامج جاريد يارنال-شاين عن كيف يمكن لهذه المجتمعات المتنوعة التي تتشكل حول القضايا أن تكون حافزًا لإخراج العلم من المختبر على عكس التقنيات. “هدفنا هو معرفة كيف يمكننا استخدام الشبكات الاجتماعية الضخمة والخبرة التي لدينا لإدخال هذه المنتجات والتقنيات إلى العالم، ويسمح لنا منظورنا العالمي بمعرفة مكان النقاط الساخنة”.
ينصب التركيز على كيفية عمل هذه الأفكار الجديدة في الواقع في العالم الحقيقي، يقول ” أعمل بشكل وثيق مع النظام البيئي لولاية بنسلفانيا، وما أراه هو أن هناك بحث مذهل قد تم إنتاجه ، ولكن لا توجد مشكلة أو حاجة محددة – لقد تم تطوير التكنولوجيا أولاً. ما وجدناه هو أن الفرق الأكثر نجاحًا هي تلك التي تجد مشكلة أو فرصة أولاً ثم تطور التكنولوجيا التي تحلها. هذا هو التحول العقلي الذي نلاحظه “.
بالنسبة إلى هذا النوع الجديد من المنظمات التي تقودها المشكلات، يعد تنظيم شبكة واسعة من الخبراء وأصحاب المصلحة ورجال الأعمال والمتحمسين أمرًا أساسيًا لمطابقة المشكلات المتخصصة والحاسمة مع المعلومات التي يصعب الاحكام عليها والمتنوعة والتي تجتمع لحلها. إنهم يصممون كل ما يمكن بعناية للوصول إلى ذلك “الاكتشاف القيّم بالصدفة” لكنهم يرتكزون على إعادة كل شيء إلى الحاجة في العالم الحقيقي.

ختاماً
من شبه المؤكد أن إخراج العلم من المختبر إلى أيدي أولئك الذين يحتاجون إليه سيكون دائمًا مسعىً صعبًا. مع المزيد من المنظمات التي تركز على الأساليب الحديثة لإنشاء المشاريع، وزيادة مستويات الانفتاح حول كيفية القيام بالعلوم خارج الأكاديمية، يمكن أن يصبح التحدي أسهل.

وبذلك – وفي نهاية المطاف – يمكننا القول أنه يمكن للعلم أن يفعل المزيد لتغيير العالم.

#الابتكار #البحث_العلمي #الشركات_الناشئة #المنظمات_العلمية #مشاكل_حقيقية