إعداد: huda midani
عندما تهتز أرواحنا مع اهتزاز الأرض
مايو 29, 2023

عندما تهتز أرواحنا مع اهتزاز الأرض

بقلم: أحمد فالح، مختص ومرشد نفسي
إذا كنت لا تزال تشعر بالخوف من الزلزال، أو من تكراره بالمستقبل، أو من تعرضك مع من  تحب للخطر، و إذا كانت ذكرياته القاسية مازالت تدور في داخلك وتضغط عليك، فإن هذا المقال كتب من أجلك.
إن آثار الزلزال على المستوى النفسي والاجتماعي عديدةٌ ولكن أبرزها وأولها هو شعورك في تلك الثانية التي تدرك أنه زلزال وليس بشيء آخر، هو شعورك واعتقادك أن الموت على بعد ثوانٍ منك أو ممن تحب أو تعيش من أجلهم، وأن هناك شيئاً أو تصرفاً ما يجب القيام به ولديك أجزاء من الثانية أو ثوانٍ لتقوم به، وأن هذا الفعل قادرٌ على إنقاذ حياتك وحياة من تحب. إذاً الخوف الشديد هو الشعور الأساسي الذي ينتج عنه شلال المشاعر الضاغطة الأخرى كالعجز والذنب والخيبة والعدمية و.. إلخ، وهي المشاعر التي قد تستمر حتى بعد الزلزال لأيام وأسابيع وأحياناً لأشهر، والتي قد تصل لدرجةٍ تعيق وتمنع قدرتك على ممارسة أدق تفاصيل حياتك كالعجز عن النوم “الأرق”، الكوابيس، فرط التيقظ خلال اليوم وما يصاحبه من إجهادٍ شديدٍ، نقص التركيز، العزلة والاكتئاب، نوب الهلع، الصدمة، ضعف التفاعل مع ما يجري حولك، الخدر وتبلد المشاعر، كل تلك الأشياء التي تنتج عن انشغال ذهنك الدائم  بأن شيئاً ما يجب القيام به أو كان يجب القيام به لحمايتك وحماية من تحب.
فيما سوف نتحدث وفقاً للعلم ووفقاً للتجارب السابقة في مجال الاستجابة للزلزال التي ثبتت فعاليتها، عن أفضل السلوكيات والإجراءات التي لابد أن تعرفها لتعزز مناعتك النفسية ومرونتك في مواجهة الأحداث الطارئة عموماً والتعامل مع الزلزال وما يليه خصوصاً وحتى الاستعداد له قبل أن يحدث إذا أمكن ذلك، وكيف يمكن أن نستغل الحدث الصادم وننمو نفسياً واجتماعياً بعد حدوثه.

انتهى الزلزال فما الذي حصل؟

لقد صُممت أجسادنا وأدمغتنا بشكلٍ فريدٍ جداً بحيث يكون هدف سلوكياتنا جميعها هو الحفاظ على استمرارية وبقاء الكائن البشري وحمايته من شتى المخاطر لذلك عندما أدرك أن منطقتي تتعرض للزلزال، يتفعل ضمن الجهاز العصبي في جسمي نظامٌ يدعى النظام الوديّ وهو الذي يلبي كل احتياجات الجسم خلال حالات الطوارئ حيث يعمل وفق استراتيجيتين محددتين وهما “القتال أو الهروب” (Fight-or-Flight).
لكن النظام الوديّ لا يتنبه أو يتفعل إلا عندما تقوم اللوزة الدماغية “The amygdala” وهي جزءٌ صغيرٌ من الدماغ بذلك. خلال أجزاءٍ قليلةٍ من الثانية تحشد كل إمكانيات الجسم للفرار أو المواجهة. بعدها يصدر النظام الوديّ أوامراً ليتم إفراز كميات كبيرة من الإدرينالين والكورتزول (هرمون التوتر)، وتفعيل إفرازات الكظر لتحرير السكر لتوفير الطاقة، وتحصل الرئتان على أوامر لتزيد فعاليتها لتوفير الأوكسجين مما يزيد من سريان الدم في العضلات، كذلك القلب تزداد ضرباته بشدةٍ وتتوسع حدقتا العينين.
إن هذا النظام هو من كفل بقاء النسل البشري وحافظ على استمراره ضد جميع الأخطار والأحداث المفاجئة لملايين السنين، هو ذاته يمكن أن يجعل حياتنا لا تطاق إذا استمر نشاطه بعد انتهاء حالة الطوارئ ووصولنا لمرحلة الأمان. في لحظة انتهاء الطوارئ يكون الوضع الطبيعي لنا أن يتوقف نشاط هذا النظام فاسحاً المجال لنظامٍ آخر هو النظام نظير الوديّ الذي يمنحنا الراحة والهدوء وأقل نشاطٍ ممكنٍ لأجهزتنا بعد ما حصل، ويضمن بذل أقل جهدٍ ممكنٍ من أجهزتنا المتعبة بعد حالة الطوارئ. 
إذا استمر عمل النظام الوديّ أطول مما يجب، فينتج عن  ذلك العديد من الأضرار الجسدية والنفسية، تظهر في البداية الأعراض النفسية مثل فرط التيقظ، نقص التركيز، ضعف القدرة على التحليل واتخاذ القرارات، فرط التفكير، تراجع جودة النوم، …. الخ. وبعد فترةٍ (من أسبوع لعدة أشهر) تبدأ الأعراض الجسدية كتشنجات وآلام العضلات والعظام ومشاكل التنفس. وأحياناً قد تظهر كل تلك الأعراض معاً. حيث تظهر الأبحاث التي أجريت في مجال الاستجابة النفسية والعاطفية في مناطق تعرضت لزلزال أن الخوف، الذعر، الرعب، الصدمة، اليأس، التبلد أو الخدر النفسي، مشاعر الذنب والغضب، فرط الاستثارة، العجز، كلها استجاباتٌ سائدةٌ بعد الزلزال. (دبترون 2002).
أيضاً تذكر دراسة للتصوير بالرنين المغناطيسي على ناجين في إحدى المناطق الصينية، أن هناك تغييراتٍ في وظائف القشرة المخية مما يؤهب الدماغ لتطوير الاكتئاب والاضطرابات النفسية المتعلقة بالصدمة.

فقدان السيطرة ومشاعر العجز والنقص – كل شيء يبدو سخيفاً أمام الزلزال

ذكر العديد من الناس الذين نجوا من الزلزال أنهم عايشوا نوعاً خاصاً  من المشاعر والأفكار تدور حول فقدان السيطرة رغم أن حياتهم كانت منظمةً تماماً من قبل. لقد اعتدنا أن تكون الأرض الصلبة تحت أقدامنا مصدراً أساسياً لشٍعورنا بالاستقرار والسيطرة الجسدية والنفسية. إن الأرض الثابتة تحتنا منذ ولادتنا تبدأ فجأة بالاهتزاز الشديد وتمنعنا من مجرد السير المتوازن، تاركةً خلفها الكثير من الآثار الكارثية.
إن قوة تأثير الزلزال واهتزاز الأرض تنبع أساساً من شموليته حيث تستهدف إحساسنا بالثبات والاستقرار، وهي أشياء وإن كانت تبدو ظاهرياً مادية وفيزيائية إلا أنها المكون الأصلي للهوية والكيان النفسي الخاص بنا. يقول الناس الذين اضطروا لمراجعة مختصين نفسيين بعد الزلزال سواء ممن كانوا في خطرٍ مباشرٍ أو ممن كان أقاربهم تحت ذلك الخطر، أنهم شعروا أثناء وبعد الزلزال أن هناك ما يشبه الوحش الذي ينهش هويتهم وذواتهم وكل ما بنوه من تقديرٍ وإنجازاتٍ نفسيةٍ. أذكر أن إحدى المراجعات قالت لي: “حسيت حالي أني عشب على طرف الطريق، انسحب مني كل شيء وانتركت للرياح”.
حتى في الأماكن التي لم تصل إليها الاهتزازات الشديدة، ذكر العديد ممن تطوعوا للمساعدة حتى من أولئك الذين لم يشاهدوا الآثار بشكل مباشر، أن الشعور الأكثر ضغطاً وقسوةً كان الشعور بالعجز، حيث يعتقد الأشخاص في هذا الموقف أنه  مهما فعلنا فلن يجدي ذلك نفعاً، فكل شيءٍ يبدو كالغبار أمام الكارثة وحجمها. لا يجب أن يفهم من هذا الكلام أن التطوع في أعمال الإغاثة لا يفيد أو يزيد من مشاعر العجز التالية للكارثة، لكننا قصدنا أن نوضح مدى صعوبة مشاعر العجز التي ترافقنا في حالة الطوارئ.

ما هي المشاكل النفسية المحتملة بعد الزلزال؟

في البداية يجب التمييز بين السلوكيات والأعراض التي تظهر بعد التعرض لحدث صادمٍ وشديدٍ مثل الزلزال، وبين نفس الأعراض عندما تتحول إلى اضطرابٍ ومشكلةٍ تعيق حياة الأفراد وتؤثر على تفاصيلها. مثلاً لا نتوقع من شخص فقد ابناً أو حبيباً أو أماً، أن يكون متفائلاً ونشيطاً من الناحية الاجتماعية ويذهب إلى عمله كالعادة. في الأسبوع الأول التالي لوفاة شخصٍ عزيزٍ أو فقد شيءٍ يحبه، تكون الأعراض السابقة استجابةً طبيعيةً لأن ما يميزنا كبشرٍ هو ترابطنا ومشاعرنا. بالمقابل إذا استمرت نفس هذه الظواهر والأعراض لفترةٍ أطول من المعتاد وفق الثقافة السائدة، فيحتمل أن يكون ما يظهر على الشخص من سلوكياتٍ هي أعراض مشكلةٍ نفسيةٍ ويحتاج للحصول على أحد مستويات الرعاية النفسية، إما الرعاية الأولية كورشات العمل أو الرعاية المركزة كالإرشاد البسيط والمشورات النفسية أو الرعاية المركزة المتخصصة كالخدمات التي يقدمها الطبيب النفسي والمعالج.
مما سبق نقول:” إنه من الطبيعي جداً أن تختل كل تفاصيل حياتنا في وقت حدوث الزلزال وفي الأيام التي تليه“، لكن إذا استمر هذا الخلل وعدم السيطرة لعدة أسابيعٍ وأثر على نومنا وشهيتنا وأنشطتنا الاجتماعية وكل أدائنا الوظيفي، وإن كان هذا الخلل يزداد بمرور الوقت ولا ينقص أو إذا وصل بأي لحظةٍ للتفكير في إنهاء الحياة أو إعداد خطةٍ أو محاولة لذلك، عندها يكون الأمر تطور ليصبح اضطراباً نفسياً ويجب الانتباه لذلك على أنفسنا وعلى من حولنا.
الآن ما هي الحالات أو الاضطرابات النفسية الأكثر شيوعاً بعد الزلزال؟

أولاً: الاضطرابات المرتبطة بالصدمة

هي التوتر المزمن، واضطراب ما بعد الصدمة والخسارة، اضطراب ما بعد الصدمة المركب. جميع هذه الاضطرابات تختلف من حيث المدة وتشترك في الأعراض التالية: أعراض مزاجية كالحزن والغضب والبكاء وفرط الاستثارة، فرط التيقظ، ازدياد ضربات القلب والتنفس وضغط الدم، مرور ومضات مسترجعة “Flash Back” من ذكريات الحدث الصادم يشعر الشخص خلالها أن الحدث الصادم يتكرر أمامه كما لو أنه يعيشه من جديدٍ ولا يمكنه إيقاف هذه الذكريات وتظهر دون وجود سياقٍ أو حديثٍ عن الحدث، الأرق الشديد وعدم القدرة على النوم لمدة قد تصل إلى 48 أو 72 ساعة، الأحلام والكوابيس.
سُجلت حالات اضطراب ما بعد الصدمة “Post Traumatic Stress Disorder” ظهرت بعد 15 سنة من الحدث الصادم أي أنها قد تظهر في أي لحظةٍ بعد حدثٍ مهددٍ للحياة وقد تصل الحالات الشديدة للانفصال عن الواقع. كما أظهرتِ الأبحاث التي أجريت على أفرادٍ نجوا من زلزال موليز/  إيطاليا في عام 2002 م، وزلزال ابروزو  /شرق روما / إيطاليا في عام 2009 م، أن نصف الأشخاص الذين تمت الدراسة عليهم قد أصيبوا باضطراب ما بعد الصدمة PTSD.
سوف يتم نقاش طريقة التدخل في جزءٍ لاحقٍ من المقال.

ثانياً: نوب الهلع والذعر “Panic Attack”

تعتبر من الاضطرابات الشائعة بعد الأحداث الصادمة عموماً وتظهر على شكل نوبةٍ تمتد من 5 إلى 10 دقائق في أي مكانٍ وليس في مكانٍ محددٍ بشكلٍ مفاجئٍ وتتكرر النوبة عدة مراتٍ في أماكن مختلفة، عندها تزداد نبضات القلب والتنفس ويعتقد المريض بشكلٍ جازمٍ أنه سوف يموت حالياً. تظهر الأعراض الجسدية كما لو أنها جلطة حيث يشعر المريض بألمٍ شديدٍ وناخزٍ في الصدر ثم ينتشر لليد، وفي الغالب يتم إسعاف المريض وخصوصاً أول مرةٍ على أنها حالة احتشاء قلبي. وبعد انتهاء النوبة وقبل بدء الأخرى يلاحظ فرط تيقظٍ عامٍ ويبدأ الشخص بمحاولة البقاء بجانب الأهل ومصادر الأمان لخوفه من حدوث النوبة دون أن يسعفه أحد حيث تسيطر فكرة أنه سوف يموت، ومع مرور الوقت يظهر تراجع بالمزاج نتيجة الأعراض السابقة.

ثالثاً: الاضطرابات المزاجية والاكتئابية

يظن العامة أن اضطرابات المزاج والاكتئاب تنتشر بعد الزلزال أكثر من الاضطرابات المتعلقة بالصدمة مثل PTSD وغيرها، لكن الحقيقة أن إحدى مظاهر الصدمة كاضطراب هي أعراض مزاجية كالحزن والانعزال والبكاء مما يجعل العامة وبعض المختصين يعتقدون أنهم أمام مريض اكتئاب وليس أمام أحد الاضطرابات المتعلقة بالصدمة.
يظهر الاكتئاب بكل أو بعض أعراضه المعروفة مثل الحزن وفقد المتعة في الأنشطة الممتعة سابقاً وتراجع الأداء الوظيفي في العمل، وألا تكون الأعراض قابلة للتفسير بسياقٍ مرضٍ آخر مثل PTSD وغيرها مع إهمال للذات والانسحاب من أنشطةٍ ومهامٍ وفي بعض الأحيان التفكير في الموت والانتحار أو محاولة ذلك. في هذه الحالة نذكر أنه يجب إحالة المريض مباشرةً لطبيب نفسي أو لمشفى.

أزمة ثقة جماعية

مثل أي كارثةٍ كبيرةٍ فإن الزلزال يترك المجتمع في حالةٍ عارمةٍ من الفوضى في النظام العام والخدمات وإلخ. فيشعر الجميع للحظةٍ أن بلدهم وبكل بنيته التحتية والفوقية قد انهار فوق رؤوسهم، حتى المنزل الذي يعتبر كمكانٍ للأمان والاختباء من كل ما هو سيء أصبح فجأةً يتحرك ويهتز ويتحول لمصيبةٍ تنهي الحياة. كل ذلك يترك العقول بحالةٍ شديدةٍ من الضياع وفقدٍ لكل مصادر الثقة في كل شيء، و قد تصل الحالة بك في بعض الأحيان لأن تشكك في عدالة وخيرية الإله ذاته.
هذا المناخ العام، سيجعل الأفراد فريسةً سهلةً للشك واللايقين بكل شيء، ستجدهم بعد الزلزال لا يثقون بأحد. الجميع يبحث عن شخصٍ أو جماعةٍ أو جهةٍ ليحملها التقصير ومسؤولية ما حدث. يبدو أن اتهام الآخرين سيكون أسهل على أنفسنا من أن نتقبل حقيقة عجزنا وضعفنا أمام الطبيعة وقوانينها. نرى الناجين في مراكز الإيواء مثلاً، لا يثقون بمدراء المركز ولا بنزاهة عمال الإغاثة والمنظمات. كذلك تجدهم لا يثقون ببعضهم، يظنون أنهم فقط من يستحق المساعدة وأن الآخرين أقل حاجة لها أو أنهم يحاولون التربح والاستفادة من كارثتهم. بالمقابل تجد القادة الاجتماعيين وأصحاب القرار ومدراء المراكز لا يثقون بكلام الناجين ويعتقدون أنهم يهولون مأساتهم لكي يحصلوا على فوائد إضافية. المتبرعون أيضاً يحتارون بالجهة التي سيقدمون المال إليها كونهم يشككون بمصداقيتهم من الأقاويل والتشكيك العام. 
تنمو وتكبر دائرةٌ كاملةٌ من انعدام الثقة يشعر بها الجميع نحو الجميع، ويزداد الأمر صعوبةً وتعقيداً عندما يحدث الزلزال أو الكارثة في دولٍ ومجتمعاتٍ يسودها الفساد والتناحر وانعدام الشفافية أساساً. هذا لا يعني مطلقاً أنه لا يحدث حالات استغلال وسرقة وغيرها.
الخلاصة تذكر دائماً أن بعد أي كارثةٍ تفوق قدرات الإنسان على استيعابها، فإن الظروف لا تترك له إلا الشك والخوف من كل شيء. ويصعب التفكير بغير ذلك، لكن الوعي بهذه الحقيقة قد يجعلنا أكثر مرونةً وتريثاً في إطلاق أحكامنا والمساهمة في عدم توسيع دائرة الشك واللايقين ببعضنا البعض.

الاستغلال، من مخلفات الزلزال

للأسف الشديد هذه هي الحقيقة، تنتشر قضايا الاستغلال للمتضررين بعد الكوارث عموماً وتساعد هشاشة ظروف الضحايا في تعرضهم للاستغلال سواء كانوا نساءً أو أطفالاً أو رجالاً أيضاً، حيث أنهم يفقدون كل شيء ويضطرون للسكن في مراكز إيواء جماعية في الغالب غير مخصصةٍ للسكن بالأساس مثل المدارس والملاعب بل إن الواقع قد يكون أسوء مما يخطر ببال القارئ.
في زلزال نيبال عام 2015 م، ذكرت اليونيسيف في أحد تقاريرها الصادر في 22 حزيران 2015 أنه “تم إنقاذ 245 طفل على الأقل من عمليات الاتجار بهم بعد وقوع الزلزال بشهرين”، ووفق ما ذكر التقرير كان سيتم تهريبهم للعمل في الهند حيث يستغل الذكور في أعمالٍ قاسيةٍ ويتم استغلال الفتيات في الدعارة و الجنس. في هذه الفترة انتشرت ظاهرة دعارة الأطفال واستغلالهم جنسياً.
الشيء الأكثر كارثيةً، كان أن نسبةً كبيرةً من المستغلين أو الذين سهلوا هذه العمليات هم من عاملي وموظفي الإغاثة، حيث بطبيعة الحال يمتلكون سلطاتٍ واسعةً فهم من يوزعون الطعام واللباس وكل شيء على المتضررين. كانوا يخدعون الأهالي و كانوا يجبرون على التخلي عن أطفالهم بحجة أنه سيتم وضعهم في دور رعاية، وما دفع الأهل للموافقة أنهم لن يستطيعوا توفير أدنى متطلبات الحياة لأبنائهم.

بعد كل هذا، ماذا نفعل؟

بناءً على كل ما سبق من تبعاتٍ وآثارٍ سلبيةٍ للزلزال قد يبدو للوهلة الأولى أننا كبشرٍ ضعيفين جداً أمام سطوة ومفاجئة الزلزال، بالمقابل على العكس هناك الكثير من الأشياء يمكن القيام بها والتي ثبتت كفاءتها في التجارب العالمية السابقة في الاستجابة للزلازل. سوف نقسم ما نقترحه من إجراءات إلى ثلاث نقاط: بعد الزلزال، أثناء الزلزال، قبل الزلزال.

بعد الوصول لمكانٍ آمنٍ

  • احرص أنت وعائلتك على الاطمئنان على بعضكم وسلامتكم من أي إصابةٍ جسدية. خلال الزلزال قد تتعرض لإصابات لكنك لن تشعر بأي ألمٍ أو قد تظنها أبسط من حقيقتها، خصوصاً  عند الأطفال والمسنين.
  • تذكر أن تضم أفراد أسرتك وتقبلهم و تطمأنهم أنكم أصبحت بمأمنٍ الآن وأن الخطر قد زال. ركز على تطمين الأطفال وأصحاب الإعاقات. ساعد من حولك في التحدث عما شعره خلال موقف الزلزال ولا سيما الأطفال.
  • قد تكون الليلة الأولى بعد الزلزال هي الأصعب من حيث الدخول في النوم، هذا طبيعي جداً وحتى الأيام التالية للزلزال سوف تكون مستثاراً وسريع الانفعال لكن تذكر أن هذا مؤقت ويحدث لجميع الأشخاص. احرص على ألا تقيد نشاط الصغار ما داموا في مكانٍ آمنٍ لأن ذلك سوف يزيد من حركاتهم وتململهم وشعورهم بالتوتر.
  • حاول أن تتحدث لأحد المقربين الراشدين عما مررت به. إذا لم يتوفر ذلك فقد تجد متطوعين متخصصين في تقديم الإسعاف النفسي، جرب أن تتحدث إليهم عن مخاوفك الحالية وما شعرت به. إذا لم تجد أحد، اكتب مشاعرك أو سجلها في تسجيل صوتي أو تحدث مع نفسك وأخبرها كيف ذعرت وما خطر في بالك من أفكار.
  • قد تتراجع شهيتك ورغبتك في الأكل في الأيام الأولى ولكن احرص على الحصول على وجباتك واطلبها في حال لم يقدمها أحد فهي حقك. الغذاء المنتظم سوف يوفر لك الطاقة التي تحتاجها. حتى لو لم تكن لديك شهية، يجب أن تأكل من أجل صحتك النفسية حيث يلعب الغذاء دوراً مهماً فيها.
  • بلغ المسؤولين عن أي شكوك أو مخاوف من تعرضك لأي نوع من الاستغلال من أي شخص، أنت أو أطفالك حتى لو كانت مجرد شكوك.
  • احرص أن تمشي يومياً نصف ساعة، حيث يشير المختصون النفسيون أن الالتزام بها تعادل الحصول على جلسة دعم نفسي. انتبه، ليس المشي لقضاء الحوائج والمهام، بل المشي بهدف التركيز على ذاتك ومشاعرك وأفكارك وإحساساتك الجسدية. سيكون أفضل إذا فعلت ذلك مع صديقٍ مقربٍ أو قريبٍ ترتاح للحديث معه.
  • مارس الاسترخاء وتمارين التنفس العميق يومياً حسب ظروفك واستطاعتك، فيما يلي شرحٌ مبسطٌ عنها:
(قف أمام نافذةٍ مفتوحةٍ أو مجرى لهواءٍ جديد، قم بأخذ شهيقٍ بطيءٍ جداً من الأنف حتى تمتلئ رئتاك بالهواء مع الحفاظ على الفم مغلقاً ورفع وامتلاء صدرك وليس بطنك، احتفظ بالهواء في رئتيك لأطول وقتٍ ممكنٍ، ثم ابدأ بإخراج الهواء بزفيرٍ بطيءٍ جداً، كرر العملية لعدة مرات، استمر بها من ٥ لـ ١٥دقيقة، سيكون من الأفضل إذا مارستها في حديقةٍ وأمام مكانٍ مفتوحٍ ولكن يمكنك فعلها بأي ظرف). هذه العملية سوف تساعدك بالحصول على أقصى قدرٍ من الأكسجين مما سوف يحسن كل عمليات جسمك ودماغك ويخفف من حالة  التعب والتشوش والاجهاد، وأيضاً تساعد على السيطرة على ضربات قلبك وتسرعه وحالة فرط التهوية. ولكن لن تلاحظ آثاراً واضحةً ودائمةً إذا لم تكن جزءاً من روتين حياتك اليومي. 
إن مفهوم المرونة النفسية في مواجهة الضغوط والأحداث الصادمة والأمراض النفسية، يوازي مفهوم المناعة في مواجهة الأمراض الفيزيولوجية. ترتبط المرونة النفسية ارتباطاً شديداً بحجم العلاقات الاجتماعية مع الأهل والأًصدقاء مع التركيز الأكبر على نوعية العلاقات وعمقها وليس كميتها أو عددها. في دراسةٍ طولانيةٍ استمرت على أكثر من 75 سنةً على مجموعةٍ كبيرة من الأشخاص من مختلف الخلفيات و الأعراق والأعمار لدراسة أهم العوامل المؤثرة في الرضا والسعادة في الحياة والتكيف مع الضغوط، وجدت أن العامل المشترك بين الأشخاص الذين حققوا درجاتٍ عاليةً على مقياس الرضا والسعادة هي وجود علاقات اجتماعية عميقة ومرضية.
عادةً ما يهدد الزلزال أو أي حدث صادم، قدرتنا على السيطرة على حياتنا وأحداثها لذلك فإن المساعدة في أعمال الإغاثة أو التطوع أو جمع التبرعات حتى لو كانت عبر الانترنت مهما كانت بسيطة، تساعد بترميم شعورنا بالسيطرة والقدرة على التأثير بحياتنا.
كن يقظاً ومستجيباً لنداءات جسمك وللأعراض والتغيرات فهي تشكل جرس إنذارٍ مثل تغيرات نومك، تراجع الوزن والشهية، الأحلام المزعجة، صور لحظات الحدث الصادم ومدى تكرارها في ذاكرتك، إحساساتك في منطقة الصدر والتنفس، آلام الظهر، الرجفان، ضربات القلب، كل تغير في جسمك دون وجود مبررٍ طبيٍ له، هو تنبيه لطلب المساعدة النفسية. بالإضافة لمشاعرك، البكاء والخوف، ومدى تكرار البكاء بعد الحدث، وأخيراً النظرة للحياة عموماً وأفكار حول إيذاء الذات أو محاولة ذلك، هذا إنذارٌ هامٌ جداً إلى ضرورة طلب المساعدة. تذكر أن هذه الاعتقادات حول الحياة هي أفكارك وليست الحقيقة أو الواقع، وأنك بمجرد حصولك على الخدمة النفسية المتخصصة سوف تتغير، هذا ما قاله العديد من الأشخاص الذين حاولوا الانتحار ثم حصلوا على الخدمة النفسية من الأطباء أو المعالجين.

فيما يتعلق بالأطفال والمراهقين

بعد الزلزال، أفضل النصائح للتعامل مع الأطفال والمراهقين هي ما يلي:
  • اجلس مع طفلك واشرح له ما حدث بما يناسب استيعابه وقدم معلوماتٍ صادقةً وحقيقيةً حتى لو كانت قاسيةً أو صعبةً، وما لا تعرفه قل أنا لا أعرف.
  • حافظ قدر الإمكان على الروتين اليومي، لا شك أنه سوف يتضرر كثيراً بسبب الحدث الطارئ ولكن حاول استعادته مثل مواعيد النوم والطعام وبعض القواعد.
  • حاول أنت وطفلك أن تعيشوا كل الفرص بعد الحدث الصادم، قد يكون هناك فرص كبيرة لتقديم المساعدة للآخرين، هذا كله يساعدكم وقد يكون هذا فرصة لطفلك للتعارف على أصدقاء جددٍ وأماكن جديدةٍ وتكوين تجارب وذكريات مختلفة عما اعتاد عليه.
  • ناقش الخيارات البسيطة مع أولادك وخذ رأيهم خصوصاً بالأشياء التي تتعلق بهم.
  • شجع أطفالك على كتابة يومياتهم عن مشاعرهم وأفكارهم وتفاصيل الحدث الصادم، من المفيد أن تكتب يومياتك أنت أيضاً. في إحدى الدراسات التجريبية، تم الطلب من طلاب جامعيين أن يتذكروا حدثاً مزعجاً وقاسياً في حياتهم ويفكروا فيه لفترةٍ قصيرةٍ. ثم تم تقسيمهم إلى مجموعتين، المجموعة الأولى لم يطلب منها أن تفعل شيء، في حين طلب من المجموعة الثانية أن تقوم بكتابة ما شعرت به بعد تذكر الحدث وما خطر ببالها من أفكار لمدة 5 دقائق. ثم بعد ذلك تم قياس جودة المشاعر التي شعرت بها كلتا المجموعتين باستخدام مقاييسٍ خاصةٍ، ووجد أن المجموعة الثانية التي قامت بالكتابة، كان لديها مقدار أقل من مشاعر الضيق والحزن والغضب من المجموعة الأولى التي لم تفعل شيء.
  • امنع طفلك ونفسك من مشاهدة فيديوهات الزلزال أو أي حدث صادم وسيما الدرامية التي يهدف ناشرها إلى التأثير في المشاهد ولا يراعي تعتيم المشاهد القاسية.

أثناء وبين الهزات المتتالية للزلزال

عادةً وللأسف الشديد يحدث الزلزال دون أي إشارةٍ أو تنبيهٍ وخصوصاً الهزة الأولى. إن أفضل ما يمكن القيام به على المستوى النفسي هو التفكير قبل التصرف. يبدو هذا الكلام صعباً جداً ولكن ما نقصده هو محاولة الحفاظ قدر الإمكان على الهدوء و التماسك. تذكر أن هدوءك سوف يجعلك تكسب المزيد من الثواني أو أجزاء الثانية التي سوف تخسرها بسبب التوتر وما ينتج عنه من تشوش وارتباك. أضف إلى ذلك أن التوتر والرعب وما ينتج عنها من ضياعٍ هي مشاعر معدية تنتقل لمن يحيط بك سيما الفئة الأضعف كالأطفال وكبار السن مما يفتح الاحتمالات على عدم تعاونهم وارتكابهم للأخطاء وإضاعة المزيد من الوقت المهم لإنقاذ حياتكم.
ومما يوفر الوقت وهو إجراءٌ يجب أن تقوم به العائلات بأي منزلٍ وهي أن يتفق أفراد العائلة على خطوات وإجراءات إخلاء بسيطة عند حالات الطوارئ، مثل تحديد والاتفاق على أماكن آمنة داخل المنزل للجوء إليها. نحن هنا لا نتحدث عن وضع خططٍ معقدةٍ للتصرف بل فقط ما هو أفضل وأسرع مخرج، وماذا نفعل إذا انقطع التواصل بينكم لأي حدثٍ طارئٍ بحيث يكون التصرف واضحاً في ذهن جميع أفراد العائلة والأطفال، تصرف مشترك محدد يجنب أي تشويشٍ وضياعٍ للوقت في لحظة الحدث الطارئ.
يشير خبراء الإنقاذ إلى ضرورة عدم التحرك أثناء الزلزال والبقاء في الأجزاء الأكثر أماناً في البيت مثل الممرات الضيقة والجثو تحت الطاولات القوية مع تغطية الرأس بالوسائد أو حمايتها بالأيدي. ذكر المنقذون أن أغلب الوفيات تحت الأنقاض وجدت على السلالم وأن الغالبية ممن وجدوا أحياءً كانوا قد بقوا  في الأماكن الآمنة ولم يحاولوا الهرب. كذلك احرص أن يكون هناك زجاجات وبعض الأطعمة قريبة منك.
نفسياً تذكر أن الوقت الحرج سيستمر لأسبوع أو أكثر وأن بمجرد أنك نجوت من الزلزال الأساسي والتزمت بإجراءات السلامة فأنت بسلامٍ حيث تشير تجارب الزلازل السابقة أن الخطر الأكبر يكون في الزلزال الأساسي. هذا طبعاً لا يعني أن الهزات الارتدادية لا يحتمل أن تسبب أضراراً، لكن التجارب السابقة تشير إلى أنها تقتصر عادةً على انهيار الأبنية المتصدعة من الزلزال الأساسي أي أننا إذا التزمنا بإجراءات السلامة ولم نخاطر بالعودة للبيوت مسرعين بعد نهاية الزلزال لأخذ بعض الأشياء فإننا بأمان.

استباقاً للزلزال

لا نعلم متى يبدأ الزلزال، كل ما يقوله العلم بهذا الخصوص أن هناك أماكن تكون أكثر عرضةً للزلازل أكثر من غيرها لذلك ستجد أن أماكن مثل اليابان، جنوب تركيا، شمال سوريا، اليونان، إيطاليا، … إلخ يحدث فيها الزلازل بشكل دوري. في حيث أن أجزاءً أخرى من الأرض أكثر ثباتاً. إن إجراءات الوقاية قبل الزلازل، تقع في معظمها على الدولة والمؤسسات الكبيرة ولا يستطيع الأفراد أن يقدموا شيئاً كمنظومات الوقاية وفرق الإنقاذ. فمثلاً في اليابان وهي الدولة الأكثر تعرضاً للزلازل، ستجد أن أطفال الروضة يعلمون ماذا يجب أن يفعلوا إذا حدث زلزال. عندما حدث زلزال بشدة 7 درجات على مقياس ريختر، لم تخرج القطارات السريعة عن سككها مع أن سرعتها قد تصل إلى 700 كلم بالساعة، وكانت نتيجة الزلزال هي أربع ضحايا فقط.
لذلك على المستوى الفردي، ما يمكن للأفراد والأسر القيام به هو إعداد خطةٍ وإجراءات إخلاء إذا حصلت هزة وشرح ذلك للأطفال وتدريبهم على بروفات لما يجب أن نفعله حينها.

شيء إيجابي: النمو التالي للصدمة

رغم كارثية الزلزال إلا أن الدراسات النفسية وجدت أن هناك شيئاً إيجابياً جداً تحدثه الكوارث داخل ذواتنا وأسموه “النمو التالي للصدمة”، وهو مصطلحٌ يشير للفوائد النفسية التي تحدث مع الأشخاص ويشعرون بها بعد التعرض لحدث صادم. رغم كل الصعوبات والمضار التي تنتج من الزلزال أو أي حدثٍ صادمٍ آخر، إلا أنه قد يحدث تغييراتٍ إيجابيةً في السلوك. طبعاً لن يحدث هذا بعد يومين أو أسبوع من الزلزال حيث تحدث هذه التغيرات وما يرافقها من مشاعر إيجابية بعد عدة أشهرٍ من الحدث. صاغ هذا المصطلح عالما النفس ريتشارد تيديشي ولورانس كالهون خلال تسعينات القرن الماضي، لكن معناه موجودٌ منذ آلاف السنين في بعض التعاليم الفلسفية والدينية.
يرى ريتشارد ولورانس أن النمو بعد الصدمة يظهر عادةً في خمس مجالاتٍ رئيسيةٍ:
  1. تقدير الذات حيث يتحسن تقدير الفرد لذاته لأنه استطاع أن يصمد أمام كل ما حدث له.
  2. التغيرات الروحية الإيجابية حيث يبدأ المؤمنون الذين تعرضوا للصدمة بالاعتقاد أن الله كان معهم وسوف يبقى معهم وأنه يحبهم وليس غاضباً عليهم … إلخ. هذه الاعتقادات تعطي شعوراً عميقاً بالراحة والأمان، فما هو الذي سوف يخيفني إذا كنت أعتقد أن رب كل هذا الكون يحميني. طبعاً نتحدث عن هذه الفكرة لشخصٍ هو أساساً “يؤمن بالدين”. قد لا تنطبق هذه الفكرة على غير المؤمنين علماً أن التجربة الروحية تشمل المؤمنين وغير المؤمنين.
  3. إمكانية الحصول على بدايةٍ جديدةٍ في الحياة.
  4. تغيرات إيجابية عميقة في العلاقات مع الآخرين لا سيما الأهل والأًصدقاء.
  5. تقدير قيمة الحياة.
من الأفكار التي يذكرها الأشخاص الذين يعيشون تجربة النمو بعد الصدمة: “يبدو أنني قوي أكثر مما أعتقد لأنني قادرٌ على التعامل مع الصعوبات”، “لقد غيرت أولوياتي حول ما هو مهم في الحياة”.
تجربة النمو بعد الصدمة هي حالةٌ تتأثر بالعديد من العوامل، وقد تكون نسب النمو متفاوتةً ومختلفةً بين الأشخاص الذين عاشوا نفس الصدمة، وليس من الضروري أن يعيشها كل من تعرض للصدمة. وهذه العوامل هي:
  • مستوى الصدمة والخسارة ونوعيتها.
  • الدعم والعلاقات الاجتماعية التي يحصل عليه الفرد.
  • عملية إدراك الشخص للصدمة وتفسيرها، يقصد بها كيف يفهم الشخص الزلزال أو الصدمة، مثلاً أهي غضب من الله أم إنها مجرد صدفةٍ أنني أعيش في منطقةٍ فيها صدوع وحركات في طبقات الأرض، أم إنني نجوت بفضل سرعة استجابتي وشجاعتي في مواجهة المشكلة، ….. كل ذلك يلعب دوراً في مقدار النمو
  • الجنس والعمر:
يعتبر ديغنز 2003 أن عمر الشخص يساهم في تحديد مقدار نموه بعد الصدمة حيث وجدت الدراسات أن البالغين والشباب حققوا مستوياتٍ أفضل في النمو مقارنةً مع المسنين. يعتقد أن ذلك يعود لمرونتهم الأكبر.
كذلك النساء تسجلن مقدار نمو أكثر من الرجال حيث وجد لوسيفر وسولمني 2006 أن النساء ينمون أكثر من الرجال. في حين وجدت دراساتٌ أخرى أنه لا يوجد أي فروق ذات دلالةٍ بين الذكور والإناث.

مشكلات عليك الحذر منها بعد الأحداث الصادمة عموماً

أولاً: الصدمة الثانوية

هي الصدمة والضرر النفسي الذي قد ينتج عن التعرض لمثيرات غير مباشرة تتعلق بالصدمة مثل الأخبار والمشاهد وسماع القصص ، بمعنى أنك لا تعيش أحداث الزلزال وجهاً لوجه بشكل مباشر، لكن تعيشها بشكل افتراضي عن طريق الصور والفيديوهات و.. إلخ.
تتفق العديد من الدراسات أن الصدمة الثانوية تسبب أعراضاً شبيهةً جداً بمعايشة الصدمة الفعلية. تذكر أنك عندما تعرض نفسك لهذا الضرر، في الغالب سوف يدفع من حولك جزءاً من هذا الثمن.  فعندما يشاهدك أطفالك تبكي بسبب ما تشاهده، بالإضافة إلى شعورك بالتوتر والحزن، فإن  هذه المشاعر سوف تنتقل لهم، علماً أنهم كأطفالٍ أكثر هشاشةً ولا يمتلكون صلابة البالغين في مواجهة هذه الأحداث مما سيجعل أثرها عليهم أكبر. ما نقصده ليس ألا تعبر عن مشاعرك مطلقاً ولكن لا تعرّض نفسك للضرر مجاناً وبدون مقابل . بدل من الجلوس لساعاتٍ طويلةٍ أمام الشاشات وامتصاص الضرر النفسي منها، ندعوك لمساعدة المتضررين حتى لو كانت هذه المساعدة هي أن تلعب مع الأطفال في مركز إيواء. هذه يساعد أكثر ويفيد أكثر والأهم أن يقلل الضرر عليك.
سابقاً كانت هذه المشكلة رائجة بين عمال الإنقاذ، المسعفين، الأخصائيين النفسيين الذين يتعرضوا لكمٍ كبيرٍ من سماع قصص المصدومين ومشاهدة دموعهم وكل تفاصيل مأساتهم يومياً. أما اليوم بفضل وسائل التواصل الاجتماعي يستطيع شخص غير واعٍ أو يبحث عن الشهرة، أن يصدم مئات وآلاف الناس بنشر محتوى لا فائدة من نشره إلا إيذاء مشاعر الأخرين وإدخالهم في عداد الضحايا والصدمات الثانوية.
هنا نقدم نداءً لكل شخصٍ أن يفكر قبل نشر أو مشاهدة أو إرسال أي مقاطع أو مشاهد صادمة للأخرين. ساهم أن يكون فضاء الانترنت ووسائل التواصل بيئة أكثر لطفاً أو على الأقل بيئة أقل ضرراً.

ثانياً: عقدة الناجي ” Survivor Guilt”

وضع هذا المصطلح أول مرة المحلل النفسي ويليام نيدرلاند الذي قدم الخدمات النفسية العلاجية بعد الحرب العالمية الثانية في نيويورك لما يقارب 200 شخص ممن نجوا من الحروب والصدمات .. إلخ. وجد أنهم يشتركون بعرض أساسي هو الشعور العميق بالذنب وهي لا تقتصر على عمرٍ أو جنسٍ إلخ.
لقد قدمت شخصياً خدماتٍ نفسيةً وجلسات دعم نفسي إسعافي للعديد من الأشخاص بعد الزلزال، البعض كان مغترباً وبعضهم  كان لاجئاً والبعض تصادف عدم وجودهم مع الأهل في المنطقة المتضررة من الزلزال حيث كانوا في محافظاتٍ أخرى، جميعهم بلا استثناءٍ قال لي بشكل مباشر وغير مباشر أنهم مذنبون لأنهم لم يكونوا مع الأهل أو الناس الذين يبيتون في العراء وتبحث عن أبنائها تحت الركام. لا شك أنهم يعانون من متلازمة عقدة الناجي حيث يعتقدون أن شعورهم بالذنب هو ثمنٌ بسيطٌ لكونهم نجوا مقارنة بالذين ماتوا أو مازالوا يعانون.
إن الوفاء للضحايا لا يجب أن يكون على شكل معاناةٍ لنا بل يجب أن يكون على شكل مسؤوليةٍ نتحملها في حدود إمكانياتنا دون الشعور بالذنب. بعض الأشخاص قال لي سوف أترك البلد الذي أقيم به وأطلب العودة. دعونا نفكر ماذا سوف يقدم لأهله عندما يصل؟ ببساطة لا شيء، في حين أنه في بلد اغترابه قدم  لهم مساعدةً ماليةً وساهم في حملة لجمع آلاف الدولارات لمساعدة وتمويل فرق الإنقاذ المؤهلة أصلاً.
إن سبق وشعرتم بالذنب فقط لأنكم نجوتم بينما يتعذب الآخرون، ولأنكم غير قادرين على تقديم المساعدة، تذكروا أنكم تعانون من مشكلةٍ تسمى عقدة الناجي. وجودكم مع الذين يتعذبون لن يخفف من معاناتهم. نختار لاشعورياً الغرق في هذه العقدة لأن مشاعر الذنب الناتجة عنها أخف بكثيرٍ من مشاعر العجز والضعف وعدم السيطرة على المآسي التي نتعرض لها.
لذلك من المفيد جداً الحديث لمختصٍ إذا واجهت مثل هذه المشكلة، وتذكر أنك عندما تستسلم لمشاعر العقدة فأنت لا تساعد الضحايا بل تزيدهم ضحيةً أخرى ودون أي مقابل. إن الألم ليس الطريق الوحيد للتعاطف والوفاء للضحايا.

أخيراً،

بالإضافة لهذه المقالة، تجدون مصادر مفيدة للدعم النفسي هنا في مجلد المبادرة، وسنضيف مصادر أخرى عند توفرها، تذكر أن المصادر هنا المفيدة للزلزال هي مفيدة من أجل التعافي من كثير من الصدمات منها التعرض لآثار الحرب و الهرب واللجوء وحتى انتهاء العلاقات مثل الطلاق وترك العمل
https://drive.google.com/drive/folders/1jxxZeeY2W61KLxJAYgkQZgl4xwaAvllW

مصادر المقالة

– أبوعيشة، محمد، (2017)، نمو ما بعد الصدمة وعلاقته بأعراض الاضطراب النفسي لدى مرضى السرطان، رسالة ماجستير غير منشورة، الجامعة الإسلامية بغزة – فلسطين.
– تقرير اليونيسيف الصادر بتاريخ 22 حزيران 2012 حول ظاهرة الاتجار بالبشر بعد زلزال نيبال 2015 منشور على الموقع: new.un.org
– Boukouvalafr, Vasso، (2023)، التجربة اليونانية في الرعاية الأولية النفسية زلزال اتيكا، اليونان، 1999، ترجمة د. سحر فاروق.
– Karanci,NuvayK، (2023)، تجربة الرعاية النفسية بعد زلزال مرمرة 1999 تركيا، ترجمة سارة يحيى ود. كريستين سامي.
– سياباتوني، ليتيزيا/ (2020)، “الزلزال وفقدان السيطرة – المخاطر النفسية للزلزال”، emergency-live.com
– community.lhviveglobal.com

شاركها !